09 - 05 - 2025

وجهة نظرى| اختفاء

وجهة نظرى| اختفاء

من يكتب التاريخ؟ المستبدون أم المبدعون الحالمون؟ من يملك القلم أم من يشهر السيف؟ من يحمل أمانة الكلمة أم من يتاجر بها؟ هل يكتبها صاحب الضمير اليقظ الصادق المخلص، أم ذلك المخادع الافاق المتلون؟ لمن ستكون له الغلبة ولمن ستكون الكلمة العليا؟ أم ترى أن صراعهما الأبدى سيفضى لأكثر من رواية، لتظل علامات الإستفهام مفتوحة؟ وتظل العقول حائرة أى الروايتين أصدق؟.

تساؤلات تفضى لمتاهة من الصعب الخروج منها، عندما تتشابك التفاصيل وتتعدد الرؤى وتتداخل الأحداث، وتتدخل ايادى خبيثة بالطمس والتشويه والتزييف يصعب فرز الغث من السمين؟ تتوه الحقيقة فى عيون البسطاء وإن كان لأصحاب البصيرة القدرة على التوصل لها وكشفها وإماطة التراب عنها، لتبدو جلية فاضحة كاشفة، لكن بالطبع لن يسلموا بفعلهم هذا من أذى أصحاب القوة والمصلحة فى ترويج الزيف ووأد الحقيقة، لتبدأ حلقة أخرى من الصراع والتحدى والحرب؟.

تشعرنا تلك المعركة الأبدية أن التاريخ يعيد نفسه، وأن المعركة تبدو أبدية بين الخير والشر، بين القبح والجمال، بين الفن والشعر والرسم والكلمة وبين السيف والقهر والبطش والزيف.. صراع جسده بإحتراف السيناريست أيمن مدحت فى مسلسل إختفاء الذى عرض رمضان الماضى.. بدت فيه المعركة التى دارت فى منتصف الستينيات  غير متكافئة بين ضابط بجهاز أمنى فاسد وبين رسام مبدع حالم، استخدم فيه الأول كل أدواته القذرة من تدليس وتلفيق وتزوير ليفوز بزوجته.. استغل سلطاته ليحكم قبضته على غريمه الرسام ليحول حياته إلى جحيم.. يضيق الخناق عليه، يحاربه فى رزقه يمنع اصحاب المعارض من شراء لوحاته، ولايكتفي بذلك بل يحرق كل ماتصل إليه يده منها لطمس إسمه ومحو كل أثر لإبداعه..

جبروت قوته ونفوذه وسلطته تسهل له جريمته البشعة، فينهى حياة الرسام ببساطة ودون أي وازع من ضمير، لأنه من وجهة نظره "يسمم أدمغة الناس"، وهو وأمثاله "" شوية بنى آدمين لازم يختفوا عشان المركب تقدر توصل لبر الأمان"!!

معركة تنتهي ويخرج منها صاحب السلطة منتصرا إلى حين .

...

سنوات كثيرة "أكثر من خمسين عاما" تمضى قبل أن يعيد التاريخ نفسه ويتجدد الصراع بين صاحب السلطة وصاحب القلم.. يظهر رجل الأمن الفاسد المفصول من عمله مطلا بوجهه الجديد كرجل أعمال له ثقله وهيمنته واسمه الذى يبث الرعب فى نفوس الجميع رغم سنواته الثمانين التى لم تنل من غطرسته وجبروته وهيمنته وإن كانت لاترهب الصحفى والروائى الباحث عن الحقيقة المصر على فضح جرائم رجل الأعمال الكاشف لتاريخه الاسود.. تعريه سطور روايته، تكشف ساديته وضآلته وزيفه وخواءه.. يحتدم الصراع وينتهي بنجاح الصحفى فى نشر روايته وتثلج النهاية المتفائلة صدور متابعى المسلسل لكنها لاتحسم بالطبع الجدل الذى فجرته على مدار حلقاتها، نتوقف طويلا حول الحوار الدائر بين رجل الأمن والرسام نشعر أن التاريخ يعيد نفسه بالفعل.

- أنت متهم بحيازة المخدرات ومحاولة قلب نظام الحكم وتكدير الأمن العام بلوحاتك المسيئة للنظام

* كل ده علشان إيه؟

- علشان هاجمت النظام

* أنا عمرى ماقلت كلمة وحشة على حد.

- ولوحاتك اللى بتسئ للنظام وتشيطنه وتنزع عنه صفة الأبوية، والستات اللى بترسمها عريانة مع إنك عارف إنك فى مجتمع محافظ.

* بس دى آراء

- المعارك مفيهاش آراء، مفيهاش غير حاضر وآمين .

* أنا عايز أعرف سبب واحد للى بتعمله معايا

- عايز أعرف ليه حبتك؟

* حبتنى لأننى فنان حر حالم مش زيك بتنفذ اللى بيتقالك عليه وبس .. حبتنى عشان اللى زيى هما اللى بيغيروا التاريخ.

- اللى بيكتب التاريخ الأقوياء وأنت إنسان ضعيف.

التاريخ يعيد نفسه، تتكرر الكلمات والاتهامات.. ويستمر الصراع.. لا تحسمه، فى الواقع، كما فى خيال المبدع نهاية سعيدة، لكن نهايته تبقى مفتوحة على مزيد من الحكايات والتفاصيل والضحايا.. ولا أحد يعرف أو يجزم لمن ستكون له الغلبة!

---------

بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه